یمکنک إن بذلت جهدک و أعملت رشدک أن تجعل کلًا من الجوابین عن
خاتمة
و بالحریّ أن نطوی الرّسالة و نختم المقالة بذکر ما وعدناک من الوجهین للروایة، و إن کان هاهنا رموز مرموزة و کنوز من العلم مکنوزة لکن نترکها لمنافاتها مع وضع الرسالة، و الآن نذکر الوجهین بطریق الاختصار، و نتلو علیک سرّاً دون الجهار.
فنقول فی بیان اولاهما: إنّه یمکن أن یکون سؤال رأس الجالوت عن حقیقة واحدة لها صفات عدیدة و علامات و رسوم متعدّدة، إلّا إنّه سأل فی المرتبة الاولى عن مظاهرها من اللّطف و القهر و الرّحمة و الغضب، و فی الثانیة عن نفسها إمّا بذکر الصفات الخمسة لها فقال: ما الحقیقة الّتی إحدى صفاتها الوحدانیّة الذاتیّة و الفردانیّة المُطلقة و التکثّر بحسب تنزّلاتها فی المرائی الخلقیّة وصفتها الاخر أن تکون راجعة إلى الوحدة الصِّرفة و عائدةً إلى الفردانیّة التامّة بعد نزولها و تکثّرها بالعرض.
فالصفة الاولى: ناظرة إلى نزولها من الوحدة إلى الکثرة، و من الوجوب إلى الإمکان، و من الصُعود إلى النزول.
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
وصفتها الثانیة: بعکس ذلک کلّه، و بعبارة اخرى کانت الصفة الاولى حقیقة لیلة القدر، و الثانیة حقیقة القیامة الکبرى.
وصفتها الثالثة: أنّها تکون موجَداً بنفسها و موجِداً لسائر الخلق کما فی الروایة الصحیحة من طریق أهل البیت علیهم السلام:
(خلق اللَّه الأشیاء بالمشیّة و المشیّة بنفسها)(1)
وصفتها الرابعة: أنّها الجاری بالانتساب إلى الخلق و المتغیّر بالجنبة الخلقیّة، و المُنجمد بواسطة انتسابها إلى الحقّ و الثابت بالجنبة الحقیّة.
وصفتها الخامسة: أنّها الزائد الکامل بالنسبة إلى الخلق و الناقص بالنسبة إلى الحقّ المُتعال؛ فإنّه جلّ برهانه تامّ فوق التمام، و التعبیر عن الکامل بالزائد غیر عزیز.
و أمّا بذکر مظاهرها الخمسة، فالسؤال عن الحقیقة الّتی لها مظاهر خمسة بحسب العوالم الخمسة، فأجاب الإمام علیه السلام عنها بأنّ الحقیقة الّتی ذکرتها و وصفتها بما وصفتها هی الحقیقة الإطلاقیّة الّتی وصلنا إلیها، و یصدق علیها «نحن» المشار به إلى جمیع مراتب الوجود من سلسلة النزول و الصعود و حقائق الغیب و الشهود، ثمّ أشار إلى مظاهرها اللطیفة و القهریّة بالتفصیل، و أتى بما هو له على الوجه الجمیل.
فعلى هذا التحقیق الذی لم أظنّک أن تسمعه فی غیر هذه الأوراق یکون ما ذکره علیه السلام فی المرّة الثانیة تفصیل ما أجمل أوّلًا، فإنّ الحقائق المتعیّنات تفصیل ما فی المشیّة الإلهیّة و الإرادة الربانیّة.
و ثانی الوجهین: أن یکون السؤال عن الحقیقة الإنسانیّة الّتی هی حقیقة الحقائق
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
و روح الأرواح و صورة الصور و مادّة الموادّ، الجامعة لجمیع مراتب الکمال، الکامنة فیها صفتا الجمال و الجلال، المضمر فیها عوالم الغیب و الشهادة، المستتر فیها کلّ خیر و سعادة، مظهر الاسم الأعظم الإلهی، و مظهر الحقائق و الرقائق کما هی، کما أشار إلیها مولانا و مولى الثقلین أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله:
و تزعم أنّک جرمٌ صغیر++
و فیک انطوى العالم الأکبر
و أنت الکتاب المبین الّذی++
بأحرفِهِ تظهر المُضمرُ(2)
و أشار إلیها مولانا و سیّدنا أبو عبد اللَّه علیه السلام بقوله:
(إنّ الصورة الإنسانیّة أکبر حجج اللَّه على خلقه، و هی الکتاب الّذی کتبه بیده …)(3) إلى آخره … فالحقائق الخمسة مظاهر وجوده، فعلى هذا کان الجواب عن هذه الحقیقة الکذائیّة بأنّها نحن الّذی وصلنا إلى مقام الجامعیّة و الإطلاق و خرجنا عن حجاب التعیّن و التقیّد، فاحتفظ بذلک و کن أمیناً له، و الحمد للَّه أوّلًا و آخراً و ظاهراً و باطناً.
و لقد سلکنا فی هذه الأوراق طریق الإیجاز، و رفضنا التفصیل و التطویل بالإغماز، فإنّ المجال ضیّق، و الحال غیر موافق، و أهل الزمان غیر شائق لهذه الحقائق، بل فی هذا العصر- الذی عُدّ العصر الذهبی- یکون کسب المعارف و طلب العلوم الدینیّة عاراً على عار، و خرجوا فوجاً بعد فوج عن هذا الشِعار، و ترکوا أدیانهم لزخرف الدنیا الدنیّة، و رفضوا إیمانهم لزبرج الامور الطبیعیّة، فاستحقروا الدّین و أهله استحقاراً، و استکبروا على أهل الشریعة و العلم استکباراً، و هتکوا حرمة الإسلام و ناموس القرآن سرّاً و جهاراً، و وضعوا القوانین الملعونة خلاف صراحة القرآن، و مالوا فی القضاء عن طریقة البیّنات و الأیمان، و جلس فی مقام النبی صلّى اللَّه علیه و آله
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
و الوصیّ کلُّ فاسق و جاهل، و تولّى الحکومة على الناس کلّ سافل و أراذل، مع هذه القواعد المجعولة و العقول الناقصة، و لقد ضاقت الأرض على أهل العلم و الدّیانة لا مفرّ لهم، و بهذه البلاد الّتی أشبه ببلاد الکفر لا مقرّ لهم، و لقد عدّ لباسهم لباس الشهرة و الذلّة، و لا یأتی على أحد فوق ذلک من المذلّة، فهذا الزمان هو الّذی أخبر أهل البیت بأنّه لا یبقى فیه من الإسلام إلّا اسمه، و لا من القرآن إلّا درسه(4)
(اللهم عظُم البلاء، و بَرحَ الخفاء، و انقطع الرّجاء، و ضاقت الأرضُ و مُنعتِ السّماء، فإلیک یا ربّ المشتکى، و علیک المعوّل فی الشدّة و الرّخاء)(5)
(اللهمّ بلّغ مولانا صاحب الزمان عن جمیع المؤمنین و المؤمنات تحیةً و سلاماً و اجعله لنا ملاذاً و معاذاً، اللّهم اجعله الدّاعی إلى کتابک و القائم بدینک، استخلفه فی الأرض کما استخلفتَ الّذین من قبله، مکّن لهُ دینهُ الذی ارتضیتَهُ لَهُ، أبدِلهُ مِن بعد خوفه أمناً یعبُدکَ لا یُشرک بکَ شیئاً)(6)
و لقد ترکنا بلادنا و جعلنا ملاذنا و معاذنا عن هذه الشرور الّتی فی هذه الأوان و المصائب الّتی فی مثل الزمان إطاعة للأئمّة المعصومین صلوات اللَّه علیهم أجمعین حرم أهل البیت مدفن فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر سلام اللَّه علیهم أجمعین بلدة قم صانها اللَّه عن هذه الشرور، و جعلها لنا و لکافّة أهل العلم و الإیمان دار الأمن و السرور، فی الزمن الذی کانت الرئاسة العلمیّة منتهیة إلى الشیخ الجلیل العالم العابد الزاهد الفقیه مولانا و الّذی علیه فی العلوم النقلیّة اعتمادنا الحاج الشیخ عبد الکریم الیزدی الحائری مدّ ظلّه العالی.
و قد وقع الفراغ عن تسوید هذه الأسطر فی قصبة خُمَین، فی الأیّام الّتی
کلا السؤالین إلّا أنَّ الأوّل جواب إجمالی و الثانی تفصیلی، و یسهل علیک معرفة ذلک إذا راعیت الاصول المُلقاة علیک فی تضاعیف ما قرع سمعک، و اللَّه المُوفّق و المُعین.
1) اصول الکافی 1: 85/ 4، التوحید للصدوق: 148/ 19.
2) دیوان الإمام علی علیه السلام: 57.
3) جامع الأسرار و منبع الأنوار: 383، کلمات مکنونة للفیض الکاشانی: 125.
4) انظر سفینة البحار 1: 557.
5) بحار الأنوار 53: 275/ 40.
6) مصباح المتهجد: 523.