و الجواب أنّه الجسم التعلیمی؛ لأنّه من أعظم أنواع الکمّ القابل للزیادة و النقصان، و هو معلول الطبیعة الجسمیّة؛ حیث یلزم الجسم الطبیعی من دون انفکاک عنه فی وقت حتّى عند الانفصال خلافاً للمشهور عند المُتفلسفة المتأخرین(1)
و لمّا کان لازماً عارضاً للجسم وجب أن یکون فیه فاعل له و أمر قابل له، و من البیّن أنَّ الفاعل فی الجسم یسمّى صورة و القابل هیولى، فثبت فی الجسم الذی هو عرش الرحمن من وجه وجود أمرین: هما الهیولى، و الصورة.
__________________________________________________
قوله: عند المتفلسفة المتأخّرین:
لم أعرف صاحب هذا القول، و المحقَّق عند المحقِّقین من المتأخرین تبدیل المتعیّن الأوّل بالمتعیّن الآخر، فإن أراد من عدم الانفکاک ما یشمل هذا فهو خلاف التحقیق بل الضرورة؛ فإنّ الفرق بین التعلیمی و الطبیعی بالإبهام و التّعیین، فتبصّر.
أمّا وجه عرشیّة الجسم فلکونه مظهر الجواهر العقلیّة، و العرش هو العقل فی الحقیقة، و أیضاً من المُقرّر أنَّ العرش على الماء(2) و الهیولى أشبه شیء بأن یعبّر عنها بالماء حیث تکون قابلة لجمیع الصور و الأشکال، و من ذلک یظهر أیضاً کون الصورة مظهر اسم الرحمن، و قد قال: «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى»(3) و منه یتصحّح أیضاً
(أنّ اللَّه سبحانه لمّا خلق العرش حمله على کواهل أملاک أربعة، فلم یستقرّ قراراً و عجزوا عن حمله بداراً، حتّى استقرّ بقول: لا إله إلّا اللَّه و لا حول و لا قوّة إلّا باللَّه)(4)
أمّا عدم قراره فمن حیث استلزامه للسیلان و التغییر الذاتى، و أمّا قراره بالکلمتین فلدلالتهما على ثبات اللَّه و قیومیّته لکلّ شیء و أنّه المُمسک السماوات و الأرض.
و بالجملة: هذا الجسم المُتکمّم مطلع التقدیر الإلهی على العالم الکونی، و عبّر عنه فی الأخبار بالبحر العمیق و الطریق المظلم(5)
أمّا البحر العمیق فلکونه فی المادّة الّتی هی البحر الأعظم، و التیّار المُحیط بالعالم، و البحر المکنون من أعین أهل الحسّ الذی ورد أنّه فوق السماوات(6)
و أمّا الطریق المظلم فلکونه فی عالم الغواشی و الغواسق الجرمانیّة، و مطمورة الطبائع الجسمانیّة.
و أمّا سرّ کونه قابلًا للزیادة و النقصان فقد قال معلّم الحکمة فی
اثولوجیا: إنَّ الأشیاء الّتی تقبل الزیادة و النقصان هی فی عالم الکون، و إنّما صارت تقبل الزیادة و النقصان؛ لأنَّ فاعلها ناقص هو الطبیعة، و ذلک لأنَّ الطبیعة لا تبدع صفات الأشیاء کلّها معاً، فلذلک تقبل الأشیاء الطبیعیّة الزیادة و النقصان(7)
ثمّ اعلم أنَّ بعد وجود التعلیمیّات الّتی هی مظهر القدر(8) یقضی اللَّه بوجود الأشخاص الکونیّة، فتلک الأشخاص مطلع القضاء الإلهی و مظهر الحکم الحتم الرّبانی، هکذا ینبغی أن تفهم مراتب الخصال و الأسباب من العلم و المشیّة و الإرادة و القدر و القضاء من ربّ الأرباب.
1) الإشارات و التنبیهات 2: 34، الأسفار 4: 20.
2) هود: 7.
3) طه: 5.
4) انظر تفسیر نور الثقلین 3: 368/ 14، تفسیر الإمام العسکری علیه السلام: 146/ 74، بحار الأنوار 55:19/ 26 و 33/ 53.
5) انظر نهج البلاغة: باب الحکم رقم 288، بحار الأنوار 5: 97/ 22.
6) اقتباس من روایة اصول الکافی 2: 417/ 1.
7) أُثولوجیا أفلوطین: 139.
8) فی نسخة «م»: المقدّر.