اعلم أنَّ الغرض من قوله علیه السلام: «بینا أنت أنت صرنا نحن نحن» بعد ما تذکّرت من تحقیق معنى هذا الترکیب هو أنَّ الذات الأحدیّة کان حیث لا جهة فیه و لا جهة، و لا حیث و لا حیث، و لا اسم و لا رسم، و لا نعت و لا وصف، و لا حمل و لا وضع، و لا إشارة و لا عبارة، بل کان هو من دون أن یقال: هو هو بالتکریر، و هی المرتبة اللائقة بالأحدیّة الحقّة الصّرفة، تعالى کبریاء ذاته عن وصمة الکثرة حتّى من اعتبار الجهة و الحیثیّة، بل قاطبة تلک الکثرات الأسمائیّة و الصفاتیّة فإنّها بعد الذات بمراتب، و یتباعد عنها تباعد الأرض و السماوات بسیاسب.
و بالجملة: لمّا کان فی مرتبة الأحدیّة هکذا و کانت ذاته ذاتاً لا علامة، نظر سبحانه إلى نفسه و رأى ذاته بأنّه هو، انبجست منه الأشیاء کلّها و تسبب وجود الحقائق بقضّها و قضیضها، و تصیّرت الذوات کبیرها و صغیرها، و تذوّتت الماهیّات عظیمها و حقیرها دفعة سرمدیّة خارجة عن الکیفیّة و الحیثیّة مُتعالیة عن الفکرة و الرویّة، مُقدّسة عن أن یشذّ منها شیء صغیراً کان أو کبیراً أو یعزب عنها مثقال ذرّة فی الأرض و السماء، و هذا هو معنى
قوله علیه السلام: «بینا أنت أنت صرنا نحن نحن».
و ممّا یؤیّد أنّه تعالى فی المرتبة الأحدیّة هکذا- سواء کان قبل الخلق أو معها، و أنّه فی تلک المرتبة وحده لا هو هو- أخبار کثیرة منها ما ورد عن الرضا علیه السلام الذی هو مربیّ أولاد العجم فی جواب مسألة عمران على ما رواه شیخنا الصدوق فی توحیده، و فی عیون أخبار الرضا علیه السلام أنّه قال بعد کلام:
(لم یزل تعالى واحداً لا شیء معه فرداً لا ثانی معه، لا معلوماً و لا مجهولًا، و لا مُحکماً و لا مُتشابهاً، و لا مذکوراً و لا منسیّاً)(1) … الخبر، فتبصّر.
1) التوحید للصدوق: 435، عیون أخبار الرضا علیه السلام 1: 139.