اعلم أنَّ السائل فی المرّة الثانیة سأل أوّلًا عن الواحد المُتکثّر، و الجواب عنه أنّه الصادر الأوّل المُعبّر عنه فی بعض الاصطلاحات بالعقل الکلی(1)
_________________________________________________
قوله قدّس سرّه: فی تحقیق الجواب الثانی …. إلى آخره.
قد حان حین ما انکشف الحجاب عن وجه المحبوب، و آن أوان ما نلقى النقاب المُلقاة على المطلوب، فاعلم هداک اللَّه تعالى إلى دار القرار و رزقک التجافی عن دار البوار: أنّ الوحدة کلّها و الفردانیّة جلّها من عالم الوجوب و الوجود مُودعة ممّا وراء الغیب على الغیب و الشهود، خارجة عمّا وراء الأستار إلى الأنظار، و إلّا فجمیع العوالم الّتی کتب على نواصیها التعیّن و التقیید، و البس علیهم لباس التقدّر و التحدید، و قُدّ علیهم قدر معلوم، و رسم على وجوههم رسم مرسوم، من ذاتها التکثّر و الغیریّة، و من حقیقتها الحیث و الحیثیّة، لا یحوم حولها الوحدة إلّا إیداعاً، و لا تدخل فی دار الهوهویّة إلّا إیداعاً.
و لکنّها مع الکثرة و التفرّق من جبلّة کل منها المیل إلى عالم الوحدة و العشق بدار
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
الانس و موطن الفردانیّة، و کتب علیها الفرار عن دار الفراق، و الوحشة و الخلاص عن محلّ الظّلمة و الکدورة، و هذا أیضاً من مودعات حضرة الجمع و الأحدیّة کما قال الشیخ «صاحب الفتوحات»: و القابل من حضرة الجمع(2)
و القیّوم جلّ برهانه و عظم شأنه و سلطانه حیثما أحبّ بالحب المُستکنّ فی ذاته المُقدّسة إظهار الکنوز المُختفیة من حضرة الغیب إلى الشهادة، و من مقام الجمع إلى التفصیل؛ لرؤیة ذاته المُقدّسة فی المرائى الخلقیّة، و شهود الظاهر المُبدع فی المظاهر المُبدعیّة، تجلّى بالفیض المُقدّس الإطلاقی و الاسم الأعظم المُعبّر عنه تارة بالمشیّة المُطلقة، و اخرى بالولایة الکلیّة، و ثالثة بالرحمة الواسعة، و رابعة بالحقیقة المحمدیّة، و خامسة بعلویّة علیّ علیه السلام، و سادسة بنفس الرحمن و مقام حضرة العلمیّة، إلى غیر ذلک من الإشارات و العبارات حسب اختلاف المقامات.
عباراتنا شَتّى و حُسنک واحدٌ++
و کلٌّ إلى ذاک الجمالِ یشیرُ(3)
و هذا الفیض النازل من حضرة الجمع هو الواحد المُتکثّر، و الدلیل على ذلک من وجهین نقلی و عقلی:
أمّا النقلی: فقوله تعالى شأنه و عظمت قدرته: «أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّیْلُ زَبَداً رابِیاً»(4) حیث عبّر عن حضرة الجمع و الهویّة الغیبیّة بالسماء لسموّ مرتبته و علوّ شأنه، و تنزّهه عن جمیع النقائص، و تقدّسه عن قاطبة الکثرات، و عن تجلّیه تعالى فی هیاکل المُمکنات و ظهوره فی مظاهر الموجودات و عبور فیضه عن عوالم المُجرّدات إلى غواسق المادیّات و من عوالی عالم الجبروت إلى سوافل عالم
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
الناسوت بالنزول، و عن الفیض النازل من سماء الأحدیّة إلى الأراضی الخلقیّة و العطاء المُفاض على العباد و الرحمة الواسعة فی البلاد بالماء الذی به حیاة الأشیاء، و عن هیاکل الماهیّات و شیئیّات المُتعیّنات بالأودیة، و عن اختلاف مراتب استعداداتها و تشتّت منازل قبولها بالقدر.
و معلوم أنّ الفیض الواحد النازل فی تلک المنازل المُتعدّدة، الراحل فی هذه المراحل المتشتّتة یتکثّر بتکثّرها و یتطوّر بتطوّرها و یتعیّن بتعیّنها، فأفاد تعالى جدّه وحدة الفیض النازل ذاتاً و تکثّره عرضاً فی أودیة الماهیّات بأحسن بیان و أجمل تبیان.
و فی آثار أهل بیت النبوّة و معدن العلم و الحکمة إشارات و رموزات و تلویحات و تصریحات إلى ما ذکرنا أکثر من أن تحصى(5)
و أمّا العقلی: فلما حُقّق فی مدارک أرباب الحکمة المتعالیة(6) أنّ الوجود مع وحدته ذو مراتب متفاوتة طولًا و عرضاً بالعرض، و هذا ممّا صدّقه البرهان، و وافقه کشف أصحاب القلوب و العرفان، فلیس التکثّر فی الوجود بحسب الذات و الحقیقة، و لیس فیه حیث و حیثیّة و لا تفرّق و غیریّة فی أىّ منزل من المنازل کان، و فی أىّ صورة من الصور بان، و فی کلمات أصحاب القلوب و المعرفة و أرباب السلوک و الطریقة ما یفید ما ذکرنا تلویحاً و تصریحاً أکثر من أن تحصى(7) و لم یحضرنی الآن من کتبهم فمن أراد فلیرجع إلیها.
و أمّا سائر الموجودات المُتعیّنة حتّى القاطنین فی عالم العقل و المتوطّنین فی وعاء الدهر لیست من ذاتها الوحدة و التفرّد و یعرض لها التکثّر، کما أفاد هذا العارف
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
الجلیل و الشیخ الذی لم یکن له بدیل، و إن کان عوالم المجرّدات المُقدّسة عن کدورة المادّة و المُطهّرة عن أرجاس عالم الهیولى المُظلمة، مُندکّة ماهیّاتها فی إنیّاتها، و فانیة نفسیّتها فی نور ربّها، بل بنظر أرباب المشاهدات لا ماهیّة لها، إلّا أنّه لیس الذات و الذاتی لها، بل بقهر نور الأنوار علیها و غلبة حضرة ذی الجلال على ذاتها و حیثیّاتها، و لهذا یقال لعالمهم: «عالم الجبروت» لجبر نقیصتها بتمامیّة الربّ المُتعال، و رفض غبار إمکانها بوجوب وجود ذی المجد و الجلال.
و هاهنا احتمال آخر قریب المأخذ ممّا ذکرنا: و هو أنّ الحقائق الغیبیّة فی الحضرة الجمع و الواحدیّة و الأعیان الثابتة صور الأسماء الإلهیّة لمّا رأین کونها تحت أستار الأسماء محجوبة عن مُشاهدة بعضها بعضاً، اجتمعن فی الحضرة الأسماء الإلهیّة، و توسّلن بها توسّل الفقیر المسکین، و قلن: إنّ العدم قد حجبنا عن رؤیة بعضنا بعضاً، بل عن رؤیة ذاتنا، فأفیضوا علینا فیض الوجود و أظهرونا فی دار الشهود، فلمّا رأت الأسماء حقیقة سؤالها اجتمعت فی الحضرة الاسم الأعظم، و استشفعت عنها فی الحضرة الغیبیّة، فقبل استشفاعها، و تمسّک بالهویّة الغیبیّة و الحضرة الأحدیّة، و قال:
یا هو یا من هو یا من لیس إلّا هو، و تقدّم فی حضرته عرض مسئولاتها فصدر الأمر من حضرته بأن أجبت مسئولاتها و أذنت لک أن تظهر حقائقها من حضرة الغیب إلى الشهادة، فتجلّى اللَّه بالرحمة الرحمانیّة- الّتی هی بسط أصل حقیقة الوجود- فأظهر الحقائق بذاک التجلّی فی لباس الخلائق.
و حیث کان من مودعات حضرة الجمع میل الوصول لها إلى باب ذی الجلال، و النزول فی جناب الحقّ المُتعال، سألت باللسان الاستعدادی الذی هو أنطق اللسانین، و السؤال الحالی الذی هو أفصح السؤالین، و البیان الذاتی الذی هو أصرح البیانین، من الاسم الأعظم بواسطة الأسماء الاخر کمالَ الوجود، فتجلّى علیها بالرّحمة الرحیمیّة
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
الّتی هی بسط کمال الوجود، ففتحت قوس النزول و الصعود، و کملت عوالم الغیب و الشهود، ببسط الرحمة الرحمانیّة و الرحمة الرحیمیّة و ورد:
(یا باسط الیدین بالرحمة)(8)
و قال تعالى: «بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ»(9) و لهذا جعل الرحمن الرحیم تابعاً لاسم اللَّه فی قوله: «بِسمِ اللَّه الرَّحمن الرَّحِیم».
و قد قال الشیخ «صاحب الفتوحات» فی فتوحاته: «ظهر الوجود بسم اللَّه الرحمن الرحیم»(10) فالرحمة الرحمانیّة و الرحمة الرحیمیّة مقام تفصیل اسم اللَّه الذی هو مقام المشیّة المُطلقة. و قد بسطنا ذلک فی رسالتنا الموضوعة لشرح دعاء عظیم الشأن الوارد عن لسان أهل البیت للتمسّک بحضرة المنان فی سحور شهر رمضان(11)
إذا حفظت ما ذکرنا حقّ الحفظ یمکن لک تطبیق الواحد المُتکثّر على الرحمة الرحمانیّة الّتی هی بسط أصل الوجود؛ فإنّها الواحدة بالذات و المُتکثّرة بالعرض فی ملابس التعیّنات و الحقائق الخارجیّة الظاهرة بها کما بیّن تلک الوحدة و التکثّر سیّد الأولیاء و الموحّدین أمیر المؤمنین صلوات اللَّه و سلامه علیه بأحسن بیان و أجمل لسان فی دعاء کمیل بن زیاد رضی اللَّه عنه بقوله:
(برحمتک الّتی وسعت کُلّ شیءٍ)(12)
و هاهنا احتمالان آخران لقوله: «ما الواحد المُتکثّر» إن ساعدنی التوفیق الرّبانی و التأیید السبحانی نذکره فی آخر هذه المسودّات إن شاء اللَّه تعالى، و الحمد للَّه على ما أنعم و الصلاة على نبیّه المکرّم و آله المُعظّم.
و العالم العلوی(13) و فی بعضها بالنور المُحمّدی(14) و نور الأنوار(15) و عالم الأسماء و الصفات(16) و مرتبة الواحدیّة(16) و العالم الإلهی(16) و المُثل النوریّة(17) إلى غیر ذلک من التعبیرات اللائقة.
و الدلیل على ذلک من وجهین نقلی و عقلی:
أمّا النّقلی: فقد ورد عن النبیّ صلّى اللَّه علیه و آله على ما نقل صدوق الطائفة شیخنا القمّی رضی اللَّه عنه فی کتاب العلل مُسنداً إلى أمیر المؤمنین علیه السلام أنَّ رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله سُئل ممّ خلق اللَّه عز و جل العقل؟
قال:
(خلقه ملکاً له رؤوس بعدد الخلائق، مَن خُلق و مَن لم یُخلق إلى یوم القیامة،
__________________________________________________
قوله صلّى اللَّه علیه و آله: خلقه ملکاً له رؤوس …
أشار علیه السلام فی ذلک الحدیث القدسی إلى أسرار و رموز و حقائق و کنوز و مباحث علمیّة و أبواب فلسفیّة لا تصل إلیها إلّا أیدی اولى الألباب من أولیاء الحکمة و الفلسفة، و لا یحوم حولها إلّا أصحاب القلوب و الأحباب من ذوی السابقة و المعرفة، و لنشر إلى جملة منها إجمالًا، و لنذکر لمحة منها اختصاراً، مُجرّداً عن التفصیل و التطویل مُقتصراً على ذکر الدعوى خالیاً عن البرهان و الدلیل، فإنّ الرسالة لم تُوضع لذکر الأدلّة و جرحها و تأیید المسائل أو طرحها، فنقول:
أشار صلّى اللَّه علیه و آله: بقوله: «له رؤوس بعدد رؤوس الخلائق»، إلى کینونة الأشیاء فی العالم العقلی قبل نزولها فی العوالم السافلة أو ظهورها فی المراتب النازلة، و هذه إحدى المسائل المُختلف فیها بحسب الظاهر بین معلّم حکمة المشّاء
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
أرسطوطالیس و استاذه المعظّم أفلاطون الإلهی، و قد جمع بین الرأیین، و صالح بین القولین، مُجدّد الحکمة المتعالیة، و مؤسّس الفلسفة العالیة، شیخ مشایخ الأولیاء و الحکماء، صدر صدور المتألّهین و العرفاء فی کتابه الکبیر(18)
و بقوله صلّى اللَّه علیه و آله: «من خلق و من لم یُخلق» إلى فعلیّة علم الموجود العقلى قبل إیجاد الخلائق، و إلى أنّ الحقیقة البسیطة العقلیّة کلّ الأشیاء بنحو البساطة، و أنّه ینال الکلّ من ذاته، فإذا کان الموجود العقلی کذلک فکیف بالموجود الحقّ و الحقّ المطلق بهر برهانه و جلّت عظمته و سلطانه؟! و العلم قبل الإیجاد أیضاً من المسائل المتنازع فیها، و قد برهن علیه فی کتب أرباب الحکمة(19) طبقاً لمشاهدة أرباب الطریقة و کشف أولیاء المعرفة، و قد أشار صلّى اللَّه علیه و آله إلى أصل المسألة و برهانها و بیان الحقیقة و تبیانها.
و بقوله: «لکلّ آدمی رأس من رؤوس العقل» إلى الارتباط التامّ بین الموجود و سائر الموجودات و عبّر عن ذلک الارتباط ذلک الحکیم المتأله بالوجود الرابط فقال على ما سنح بالبال ما معناه: إنّ للعقل وجوداً نفسیّاً و وجوداً رابطاً، و بهذا صحّح اتّحاد النفس بالعقل الفعّال، ردّاً على شیخ مشائیّة الإسلام(20) و هذا الارتباط کارتباط الحقّ بالخلق بالفیض المُقدّس الإطلاقی(21)
و بقوله: «و اسم ذلک الإنسان على وجه ذلک الرأس مکتوب» إلى أنّ ارتباط العقل مع کلّ موجود بوجهٍ خاصّ غیر ارتباطه مع الآخر، فلا یلزم التجزئة فی
و لکلّ آدمی رأس من رؤوس العقل، و اسم ذلک الإنسان على وجه ذلک الرأس مکتوب، و على کلّ وجه سِتر مُلقى لا یکشف ذلک الستر من ذلک الوجه حتى یبلغ ذلک المولود و یبلغ حدّ الرّجال أو حدّ النساء، فإذا بلغ کشف ذلک الستر فیقع فی قلب ذلک الإنسان نور،
__________________________________________________
البسیط مع اتّحاد نفوس جزئیّةٍ معه، أو علم النفس بقضیّة واحدة عقلیّة علمها بجمیع مراتب الوجود، کما هو أحد الإشکالات الّتی أوردها ذلک الشیخ الفیلسوف(22) على القائلین باتّحاد النفس مع العقل الفعّال و استصعبه، و أعطى ذلک المتألّه حلّه و نقض غزله.
و بقوله: «و على کلّ وجه ستر» إلى الحجاب الذی بین الإنسان و العالم العقلی قبل الوصول إلى مقام القلب و النزول فی منزل العقل.
و بقوله: «یبلغ حدّ الرجال أو النساء» إلى الوصول إلى مقام القلب الذی هو مقام ظهور تفصیل مراتب الوجود فی قلبه و قراءة سلسلة الغیب و الشهود من ذاته، فإنّ هذا مقام صیرورته مسمّى باسم الرجال و النساء الذین من ألقاب الإنسان على الاستحقاق.
و بقوله: «فإذا بلغ کشف ذلک الستر» إلى اتّحاد النفس بالعقل الفعّال فی ذاک المقام على التحقیق، و هذا أیضاً من المسائل المهمّة الّتی اختلفت آراء الحُکماء فیها، و أنکر الشیخ على مُثبته کمال الإنکار، و نسب صاحبه إلى الشین و العار(23) و قد صحّحه و برهن علیه ذلک الحکیم المتألّه فی کتابه الکبیر(24) و الرحیل إلى اللَّه الخبیر البصیر.
و هاهنا أسرار اخرى لا یسعها المقام، و الأولى طیّ الکلام، و على اللَّه التوکّل فی البدو و الختام.
فیفهم الفریضة و السنة و الجیّد و الرّدیء، ألا و مثل العقل فی القلب کمثل السراج فی البیت)(25)
صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله.
__________________________________________________
بیان:
أقول: عبّر صلّى اللَّه علیه و آله عن الحقیقة العقلیّة الّتی لکل شیء فی عالم العقل و عقل الکلّ بالاسم، و هو الاسم الإلهی الذی یدبّر کلّ موجود یکون تحت حیطته، و عن تطوّرها بکسوة الحقائق الّتی تحتها حین تنزّلها بالستر، و عن ظهور المادّة العقلیّه الّتی هی النفس النطقیّة من حیث بَدو ظهورها عقلًا هیولانیّاً بالکشف حین التولّد، و عن البلوغ إلى العقل بالملکة بالبلوغ الذی للرجال و هو الخروج عن المُنى- بالضّم- کما أنَّ بلوغ الصبیان بخروج المَنى- بالفتح- و عن إدراک الحقائق و استفادتها من الجوهر العقلی المفیض و هو مرتبة العقل المُستفاد بوقوع النور فی القلب، و عن مرتبة العقل بالفعل و صیرورة النفس عقلًا محضاً بقوله: فیفهم الفریضة و السُّنة و غیرهما.
و یمکن أن یکون کشف الستر أوان البلوغ إشارة إلى ما ذهب بعضٌ من أنَّ النفس الناطقة إنّما تفیض للمُستعدّ لها حینما بلغ مبلغ الرّجال لا لکل أحد(26)
و بالجملة: فی هذا الخبر من حُسن التعبیر من وحدة العقل مع تکثّر أطواره، و اشتماله على جمیع الحقائق الوجودیّة اشتمالًا جملیّاً عقلیاً خارجاً عن فهم الجماهیر و من التعبیر بالوجه و الرأس و کتابة الاسم و وجود الستر ما یبهر العقول و یعجز الفحول.
و لنعرض صفحاً عن ذکر ما فیه من الأسرار، و نجعلها تحت الأستار، عسى اللَّه أن یکشفها للبلّغ الأحرار.
و أمّا العقلی: فلما تقرّر عندنا بفضل اللَّه، و عند أفاضل القدماء(27) و شرذمة من المُتأخّرین(28) و قلیل من الآخرین(29) من أکابر أهل اللَّه المُحقّقین، بالبراهین القاطعة الّتی لا یحوم حول حریمها شبهة، أنَّ العقل بل کلّ بسیط عقلى فهو مع وحدته البسیطة و بساطته الحقیقیّة کلّ الأشیاء العقلیّة الّتی دونه بنحو جُملی(30) و اشتمال عقلیّ لا یعرفه إلّا الراسخون، و سیجیء البرهان الذی هدانا اللَّه إلیه فی محلّه. و فی کلام العرفاء إیماءات إلى ذلک و إشارات، سیّما مُعلّم الحکمة تصریحات إلیه و تلویحات.
منها: ما قال المیمر العاشر من کتاب «اثولوجیا فی معرفة الربوبیّة» بهذه العبارة: و نقول: إنَّ فی العقل الأوّل جمیع الأشیاء و ذلک لأنّ الفاعل الأوّل أوّل فعل فعله هو العقل، فعله ذا صور کثیرة، و جعل فی کل صورة منها جمیع الأشیاء الّتی تلائم تلک الصورة، و إنما فعل تلک الصورة و حالاتها معاً لا شیئاً بعد شیء، بل کلّها معاً دفعة واحدة(31) انتهى.
أقول: و هذا الکلام ممّا یلیق به أن یکون شرحاً لبعض ما فی حدیث خیر الأنام.
و منها: ما قال فی المیمر الثامن من هذا الکتاب بعد کلام فی ذکر أنَّ الشیء لکون واحداً و لا واحداً، إلى أن قال: و کذلک العقل واحد و هو کثیر، و لیس هو کثیراً کالجثة، بل هو کثیر بأنَّ فیه کلمة تقوى على أن
تفعل أشیاء کثیرة و هو ذو شکل واحد، غیر أنَّ شکله شکل عقلی، و العقل إنَّما یکون محدوداً بشکله، و من ذلک الشکل تنبعث جمیع الأشکال الباطنة و الظاهرة(32)
و منها: ما قال فی المیمر الثانی: و إنَّما صار العقل إذا ألقى بصره على ذاته و على الأشیاء لا یتحرک؛ لأنَّ فیه جمیع الأشیاء و هو شیء واحد کما قلنا مراراً(33) انتهت کلماته الشریفة.
1) رسائل إخوان الصفا 3: 322.
2) انظر الفتوحات المکیة 3: 506.
3) جامع الأسرار و منبع الأنوار: 75.
4) الرعد: 17.
5) شرح اصول الکافی لصدر المتألهین 3: 15، الشواهد الربوبیة: 140.
6) الأسفار 1: 35.
7) تمهید القواعد: 114، شرح القیصری على الفصوص: 5.
8) البلد الأمین للکفعمی: 404 دعاء الجوشن الکبیر.
9) المائدة: 64.
10) الفتوحات المکیة 1: 102.
11) انظر شرح دعاء السحر: 55.
12) البلد الأمین للکفعمی: 188.
13) الفتوحات المکیة 1: 292 و ما بعدها.
14) جامع الأسرار و منبع الأنوار: 563.
15) الأسفار 6: 305 و 306.
16) شرح فصوص الحکم للقیصری: 11.
17) منظومة السبزوارى: 198.
18) الأسفار 8: 331.
19) نفس المصدر 6: 263.
20) نفس المصدر 3: 335 و 428.
21) الأسفار 2: 354، و شرح فصوص الحکم للخوارزمی: 118.
22) الإشارات و التبینات 2: 367 و 3: 294.
23) نفس المصدر 3: 294.
24) الأسفار 3: 335.
25) علل الشرائع: 98/ 1 باب 86.
26) الأسفار 8: 136 و 137.
27) اثولوجیا أفلوطین: 98 و 139.
28) الأسفار 6: 110.
29) اصول المعارف للفیض الکاشانی: 29- 30.
30) فی نسخة «ل»: على نحو الجمع بدل: بنحو جملی.
31) اثولوجیا أفلوطین: 139.
32) نفس المصدر: 98.
33) نفس المصدر: 34.