و الجواب أنّه هی النفس الکلیّة(1) الإلهیّة المُدبّرة لجمیع النفوس الکلیّة
__________________________________________________
قوله قدّس سرّه: فی أنّه سُئل عن المتکثّر المُتوحّد … إلى آخره.
قد انکشف على قلبک بإیضاح السبیل، و انفتح على روحک بتقدیم الدلیل، فیما سبق من الحقّ الصریح، و تقدّم من القول الفصیح: أنّ العالم العقلی و التعین الأوّلی مع شدّة نوریّته، و کمال ذاته و تمامیّته، و خلوصه عن لواحق المادة، و محوضه عن لوازم المدّة، لا یخلو عن التکثّر فی الذات، و یعانقه الجهات و الحیثیّات؛ لأنّه فی حجاب التعیّن و التقیید و برقع التقدّر و التحدید، و له قدر معلوم و حدّ محتوم.
و لکنّه لتنزّهه عن الهیولى و الاستعداد و تقدّسه عن التعلّق و الامتداد، خروجه عن تصرّف المکان و المکانیّات و خلوصه عن سلطان الزمان و الزمانیّات، و صفاء مرآته للتجلّی الربّانی، و صقالة ذاته لانعکاس النور الرّحمانی، إذا افیض علیه الفیض من حضرة الکریم، و تجلّى علیه القیّوم القدیم، جبر نقصه بتمامیّة فاعله، و توحّد کثرته بوحدانیّة جاعله، و اندکّت ذاته فی نور ربّه اندکاکاً، و انقهر فی سلطان کبریائه
…………………………………………………………………………
__________________________________________________
انقهاراً، فلا یبقى لذاته حکم و لا أثر، و لا للازمها أصل و لا خبر، و الکثرة الّتی من الذاتیّات لا حکم لها مع عدم الذات، فإنّها مرفوع الحکم برفع ملزومها، محکوک الأثر بحک مخدومها، فجلس سلطان الوحدة إلى مقرّه و رجع الأمر کلّه إلى أمره.
و من هذا یحدس اللبیب أنّ المُتکثّر المُتوحّد هو الموجود العقلی الذی هو مُتکثّر فی الذات و له حیث و حیثیّات و متوحّد بتجلّی الواحد المحض علیه، و توجّه الفرد الأحد إلیه، و یعلم العاقل وجه تقدیم المُتکثّر على المُتوحّد و وجه تقدیم الواحد على المُتکثّر فیما سبق.
و فی التعبیر بصیغة التفعّل فی قوله: «المُتکثّر المُتوحّد» مع کون الکثرة ذاتیّة إشارة خفیّة إلى أنّ الذات بعد التجلّی الربوبی یصیر حکمها حکم العرضیّات، و یرجع الأمر کلّه إلى المُتجلّی بالذات و الصفات.
و سرّ التعبیر عن مقام المشیّة المُطلقة بالواحد المُتکثّر، و عن الموجود العقلی بالمُتکثّر المُتوحّد هو، أنّ المشیة لها الوحدانیة الذاتیة الحقیقیّة ظلّ الوحدانیّة الحقّة الحقیقیّة، و لیس فیها تکثّر بحسب الذات و لا تعدّد الجهات و الحیثیّات، و هی الأمر الواحد المُشار إلیه بقوله تعالى: «وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ»(2) و إنّمَا التکثّر باعتبار تلبّسه بلباس التعیّنات و تنزّله فی منازل المُقیّدات، و هذا هو التکثّر العرضی، و لا تکثّر فی نظر أرباب المشاهدات، و هو مقام الالوهیّة و الربوبیّة و القیّومیّة و القدوسیّة و مقام الأسماء و الصفات و الرحمانیّة و الرحیمیّة الفعلیّة، و أمّا الموجود العقلی فقد عرفت حاله و مرجعه و مآله.
و ما ذکر هذا العارف العظیم و السالک على الصراط المستقیم قدّس اللَّه نفسه و روّح رمسه تحقیق رشیق و کلام عرفانی دقیق، کیف؟! و هو من أعظم عرفاء الشیعة
و الجزئیّة، المرتبة(3) لکافّة العوالم العلویّة و السفلیّة ترتیبها(4) اللّائق بها، و أحسن کلّ خلق ترتیبا، و هی مظهر للمشیئة الإلهیّة(5) کالعقل مرآة العلوم و الحقائق الإلهیّة، و وجه تکثرها مع التوحّد کثرة قواها و أفاعیلها مع وحدة ذاتها و تأحّدها بتلک القوى، أو لکثرة النفوس المُتشعّبة عنها مع بساطتها بحیث هی مع تلک الشعب الکثیرة شیء واحد على ما یراه الأماجد(6) أو لکثرة سیرها فی المراتب النزولیّة و الصعودیّة و تفنّن ظهوراتها فی السلسلة
__________________________________________________
و أکرم امناء الشریعة، و لکن ما ذکرنا مع قصور النظر و عمى القلب و البصر بمقام السیر العلمی ألیق و بحضرة الکبریاء ألصق، اللّهمّ افتح قلبنا بنور المعرفة و الیقین، و اسلکنا فی الطریق المُستقیم و الصراط المُستبین بحقّ محمّد و آله المعصومین و صلوات اللَّه علیهم أجمعین.
و لک أن تجعل السرّ الذی ذکره ذلک العارف- قدّس سرّه- للتعبیر عن العقل بالواحد و عن النفس المتکثّر وجه التعبیر عن المشیّة المُطلقة بالواحد و عن الموجود العقلی بالمُتکثر مع رفض ما لا یلیق بمقامهما و ترک ما هو غیر جائز الانتساب إلیهما، و لا یحتاج إلى البسط و التفصیل و لا إقامة البرهان و الدلیل بعد النظر إلى ما ذکرنا و الرجوع بما أفدنا.
قوله: النزولیّة و الصعودیّة … إلى آخره.
لا یخفى أنّ هذا بعینه موجود فی العقل أیضاً، بل العقل أحقّ من النفس فی ذلک و کثرة ظهوره فی المراتب الصعودیّة و النزولیّة، فإنّ جمیع مراتب الوجود تعیّنات ظهوره و تشعّبات حقیقته، فلا تغفل.
البدویّة و العودیّة إلى أن تتأحّد مع العقل الّذی هو أصلها و منه بدؤها و إلیه عودها.
1) فی نسخة «ل»: الکلمة بدل: هی النفس الکلیّة.
2) القمر: 50.
3) فی نسخة «ل»: المربیة.
4) فی نسخة «ل»: تربیتها.
5) فی نسخة «ر»: الربانیة.
6) الأسفار 8: 221 و ما بعدها، منظومة السبزواری: 314.