یعتبر شرح حدیث رأس الجالوت أوّل رسالة للقاضی سعید یراجعها الإمام رحمه اللَّه کما جاء فی مُقدّمة التعلیقة، فیشمّر سماحته عن ساعد الجدّ للتعلیق علیها، لأنّ أسرار هذا الکتاب تحتاج إلى کشف، و أستارها إلى إزاحة، و یقدّم على کتابة تعلیقة بمستوى الکتاب أو أفضل منه، و یودعها جواهر یتلألأ ما بین سطورها، و لعلّ من أبرزها قوله:
انّ عود الموجودات إلى اللَّه تعالى بتوسّط الولی المطلق صاحب النفس الکلیّة الإلهیّة و واجد مرتبة العقل، و أنَّ الموجودات بمنزلة القوى و الآلات و المتفرّعات من وجود الإنسان الکامل، فکما أنّ بدوّ إیجادها من الحضرة الغیب بتوسط ربّ الإنسان الکامل، و فی الحضرة الشهادة بتوسّط نفس الإنسان الکامل کذلک عودها و ختمها.
و لهذا کانت استقامة الامّة استقامة رسول اللَّه صلّى اللَّه علیه و آله و ورد
منه صلّى اللَّه علیه و آله عند قوله تعالى- فی سورة هود- «فَاسْتَقِمْ کَما أُمِرْتَ»(1) «شیّبتنی سورة هود»
، لمکان هذه الآیة، و إلّا فهو صلّى اللَّه علیه و آله بوجوده المقدّس میزان الاستقامة.
و ورد فی بعض الأدعیة عند الدعاء لبقیّة اللَّه فی الأرضین و حجّة اللَّه على العالمین صاحب الأمر صلوات اللَّه علیه و أرواحنا له الفداء بقوله: «أمناً یعبدک لا یشرک بک شیئاً»
مع کونه روحی له الفداء خالصاً عن أنحاء الشرک فعلًا و صفةً و ذاتاً، فشرک الامّة و عبادتهم یعدّ منه لکونه الأصل و سائر الناس من فروعه(2)
و هنا یمکن أن نتحسّس ألطف أفکار الإمام، ممّا تستحق أن تدوّن بماء الذهب على الصدور، فی أنّه اعتبر عود الموجودات إلى اللَّه تعالى بتوسّط الولی المُطلق صاحب النفس الکلیّة الإلهیّة، واجد مرتبة العقل، و أنّ الموجودات بمنزلة القوى و الآلات من وجود الإنسان الکامل.
و الولیّ المُطلق هو النبیّ الأکرم صلّى اللَّه علیه و آله، و مصداقه فی الحال الحاضر إمام العصر سلام اللَّه علیه، و لهذا فإنّ عودة کلّ الموجودات إلى الحضرة الإلهیّة یکون بتوسّطه.
1) هود 11: 112.
2) انظر صفحة 109- 110 من هذا الکتاب.