جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

إیقاظ

زمان مطالعه: 4 دقیقه

و أمّا سرّ التعبیر عن العقل بالواحد و عن النفس بالمتوحّد، فهو أنَّ العقل واحد وحدة حقیقة جمعیّة ذاتیّة؛ لأنّه صدر عن الواحد الحقّ المحض بالوحدة الغیر العددیّة الّتی هی مبدأ الوحدة العددیّة بأقسامها، و من البیّن فی المقامات البرهانیة أن لا خصوصیّة لشی‏ء دون شی‏ء فی الصدور عن الحقّ تعالى شأنه، و إلّا لزم أن یکون فیه سبحانه جهة وجهة و حیث و حیث، و قد ثبت أیضاً بالقواطع البرهانیّة أن لیس فیه جهة وجهة و لا حیث و حیث من جمیع الجهات من دون تکثّر جهة و لا تعدّد اعتبار، و أنّه لا یختلف نسبته عزّ شأنه بالقرب و البعد عن الأشیاء، و أنَّ ذلک من المُقرّر عند العُقلاء(1) و المتظافر فی أخبار الأنبیاء و الأولیاء، حیث هی ناصّة بأنّ نسبته تعالى فی القرب و البعد سواء لم یقرب منه قریب و لم یبعد منه بعید إلى غیر ذلک(2) کما لا یخفى على المُتتبع للآثار و الأخبار.

ثمَّ إنَّه ممّا قد فرغ عنه فی الحکمة المُتعالیة أنَّ الواحد لا یصدر عنه من جهة واحدة إلّا الواحد(3) بل ذلک عند النظر العرفانی بدیهیّ عاضده الکلم الفرقانی، قال تعالى: «وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ»(4) و فی الأخبار ما یکاد یتواتر بالمعنى أنَّ اللَّه جلّ مجده خلق أوّلًا أمراً واحداً، أىّ شی‏ء کان على اختلاف التعبیرات، ثمَّ خلق منه الأشیاء(5) و ذلک کالصریح فیما ادّعیناه.

ثمَّ من المُستبین أیضاً أنّه لیس شی‏ء حریّاً بالصدور عنه تعالى إلّا العقل؛

إذ النفس فعلها فی المادّة، فلا تکون المادّة فعلًا لها و لا هی تسبقها، و کذا المادّة؛ إذ لا یتأتى منها أصلًا، و الصورة إنّما وجودها بالمادّة، فکیف تکون فاعلة لها؟! و الجسم مُتأخّر عن المادّة و الصورة، فلا یکون شی‏ء منها بأوّل صادر عن المبدأ، فبقی أن یکون العقل هو الصادر الأوّل، فلو لم یکن العقل کلّ الأشیاء یلزم من صدوره عنه تعالى أن یکون له سبحانه جهة خصوصیّة بالنسبة إلیه دون ما سواه، و قد استحال ذلک کما قلنا فوجب من ذلک بالضرورة أن یکون هو کلّ الأشیاء.

و هذا برهان شریف على وحدة العقل مع تکثّره بوجهٍ ما، و قد تفرّدت بفهمه عن اللَّه تعالى، إلّا أنّی بعد ذلک وجدت فی کلام المُعلّم الأوّل ما یمکن أن یرجع إلى هذا، و هو قوله فی اثولوجیا بعد سؤال و کلام: فلمّا کان- أی المبدأ الأوّل- واحداً محضاً انبجست منه الأشیاء(6) انتهى.

و بالجملة: لیس الکثرة الّتی نقولها فی العقل کالکثرة الّتی هناک، حاشاه من ذلک، بل هو فی کمال البساطة و أجمع الجمعیّة و أشدّ الوحدانیّة، و إنّما الکثرة لیست فی ذات العقل، بل کثرة بعد الذات، و أمّا البارئ القیّوم فلا کثرة عنده أصلًا لا فی الذات و لا مع الذات و لا بعد الذات و ذلک من‏

__________________________________________________

قوله: انبجست منه الأشیاء …

و قد عرفت معنى کلامه فی أوّل الرسالة عند قوله: انبجست منه الکثرات بجملتها لوحدته.

قوله: و أمّا البارئ القیّوم فلا کثرة عنده أصلًا … إلى آخره.

و أمّا التکثّر الأسمائی و الصفاتی و التکثّر الواقع فی صور الأسماء أی الأعیان‏

…………………………………………………………………………

__________________________________________________

الثابتة فلیس تکثّراً حقیقیّاً وجودّیاً، بل التکثّر إمّا باعتبار معانٍ معقولة فی غیب الوجود الّتی هی مفاتیح الغیب و یتعیّن به شؤوناته و تجلّیاته، فهی فی الحقیقة موجودة فی العقل غیر موجودة فی العین، أو یرجع إلى العلم الذاتی؛ لأنّ علمه تعالى ذاته بذاته أوجب العلم بکمالات ذاته فی مرتبة أحدیّته، ثمّ المحبّة الإلهیّة اقتضت ظهور الذات لکلّ منها على انفرادها متعیّناً فی حضرته العلمیّة ثمّ العینیّة، فحصل التکثّر فیها، کذا قال بعض الأعلام نقلته مُلخّصاً(7)

أو التکثّر یرجع إلى التکثّر بحسب مراتب السلوک؛ فإنّ السالک فی أوّل سیره یتأحد عنده المتکثّرات، و یلبس لباس الإطلاق على التعیّنات، و یستهلک المُتفرّقات فی حقیقة جمعیّة، و ینفی المتخالفات فی ذاتٍ أحدیّة، فعلًا کان أو أثراً، صفةً کان أو ذاتاً، فرجع الکلّ إلى أصلٍ واحد و الجلّ إلى جذر فارد.

و فی أواخر هذا السلوک یلاقی الأعیان الثابتة و صور الأسماء الإلهیّة فیفنیها و یستهلکها فی الذات ذی الصورة، إلى أن یرحل راحلته إلى الحضرة الأسماء الإلهیّة، و یُنیخ راویته إلى باب أبواب الربوبیّة، فیرى الکثرة الأسمائیّة أوّل کثرة وقعت فی دار الوجود، و منها نشأت الکثرات فی الغیب و الشهود، فیستهلکها فی الذات الأحد الفرد الصمد، فیتجلّى علیه حضرة الواحد القهّار لا شریک له فی الذات و الصفات و الآثار و الأفعال، فیستهلک عنده بقوّة السلوک هذه الأسماء فی الهویّة الغیبیّة، فلا یبقى من الکثرة عین و لا أثر، و لا من السالک اسم و لا خبر، فیترنّم لسان حاله و قاله بلسان الحقّ المُتعال، و یقول: یا هو یا من هو یا من لا هو إلّا هو.

کلّ ذلک بشرط رفض الأنانیّة و عدم بقاء جهات النفسانیّة، و إلّا فمع بقائها و لو

…………………………………………………………………………

__________________________________________________

یسیراً یتجلّى علیه فی بعض مراحل السلوک عینه الثابت، فیرى لنفسه بهجةً و بهاءً و قوّةً و سلطنةً بل الربوبیّة و الالوهیّة فتصدر عنه الشطحیات کقول بعضهم: ما أعظم شأنی(8) و قول بعضهم: لیس فی جبّتی سوى اللَّه(9) کلّ ذلک لنقصان السالک و بقاء الأنانیّة.

قال شیخنا العارف الکامل الاستاذ الشاه‏آبادی أدام اللَّه ظلّه: إنّ أکثر نشر العقائد الباطلة و الأدیان الغیر الحقّة کان بدو انتشارها من المرتاضین و أهل السلوک الذین هم کانوا ناقصین فی السلوک و بقیت جهات نفسیّتهم، هذا.

و بالجملة: فالکثرة على ما تلونا علیک کثرة شهودی سلوکی لا کثرة علمی على ما أفاد بعض الأعلام على ما عرفت آنفاً.

و مما ذکرنا یظهر مغزى قول ذلک العارف الشارح الجلیل و الشیخ الکامل النبیل:

لا کثرة عنده تعالى لا فی الذات و لا مع الذات و لا بعد الذات.

و إلى ذلک یرجع کلام مولانا و سیّدنا إمام الموحّدین و العارفین أمیر المؤمنین صلوات اللَّه علیه و آله أجمعین:

(کمال التوحید نفی الصفات عنه)(10)

و هذا مغزى کلام أهل البیت علیهم السلام:

(أنّه تعالى ذات علّامةٌ سمیعةٌ بصیرةٌ)(11)

(علم کلّه قُدرةٌ کلّه)(12) إلى غیر ذلک.

و هذا مرجع قول بعض أهل المعرفة: إنّ الذات الأحدیّة نائبة مناب کلّ الأسماء

علم الراسخین، فتبصّر.

و أمّا النفس فلمّا کانت مُتکثّرة القوى متفننة الأفاعیل من حیث شأنها، مُختلفة الأطوار بحسب نزولها و صعودها، و هی أیضاً مبدأ الاثنین و منها ظهرت الاثنینیّة، کما اشیر إلیه فی الحکمة القدیمة من أنَّ النفس عدد مُتحرّک و العقل عدد ساکن(13) فالکثرة فیها مع الذات لا فی الذات، و الوحدة فیها باعتبار أصلها و من جهته تأحّدها(14) فی انتهاء سیرها و رجوعها إلى أصلها کما بینّا.


1) الأسفار 6: 103 و 140 و 142.

2) اصول الکافی 1: 97/ 1 و 99/ 8.

3) الأسفار 7: 204.

4) القمر: 50.

5) اصول الکافی 1: 110/ 4، التوحید للصدوق: 66- 67/ 20 و 339/ 8.

6) اثولوجیا أفلوطین: 143.

7) انظر تعلیقة الإمام على الفصوص: 24 و 25.

8) کسر الأصنام الجاهلیّة لصدر المتألهین: 32، تذکرة الأولیاء للنیشابوری: 166 مشارق الدراری شرح تائیة ابن الفارض: 151 و 634.

9) وفیات الأعیان 2: 140.

10) نهج البلاغة: الخطبة الاولى.

11) اصول الکافی 1: 65/ 6 و 83/ 1 و 84/ 2، التوحید للصدوق: 239/ 1 و 144/ 8.

12) نسبه صدر المتألهین إلى الفارابی، الأسفار 6: 121.

13) انظر الشفاء: 14 الفصل الثانی من المقالة الاولى من الفن السادس فی النفس، و الأسفار 8: 244.

14) فی نسخة «ل»: جهة حدها بالعقل بدل: جهته تأحدها.